تهتم
التربیة الإسلامیة بالكیان الإنسانی كله، وتجعل من التربیة الإیمانیة
أساسها الأول، ومنطلقها الرئیس فی بناء شخصیة الإنسان المسلم، حیث تهدف إلى
غرس العقیدة الإسلامیة الصحیحة فی نفس المتربِّی، مع القناعة بها؛ لتكون
فی الباطن إیماناً راسخاً، وفی الظاهر استسلاماً وإذعاناً لممارسة مقتضیات
الإیمان، ومستلزماته، فی صورة سلوك وممارسة واقعیة فی الحیاة.
والإیمان
بالغیب یمثل القاعدة الأساس للإیمان كله، ولا یمكن أن تستقیم الحیاة
البشریة دونه، وقد جعل الله عز وجل المؤمنین بالغیب، العاملین بمقتضاه: هم
المفلحین، فقال تعالى فی مطلع سورة البقرة: {
الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَیْبَ فِیهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِینَ *
الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ وَیُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ یُنفِقُونَ* والَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَیْكَ
وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ* أُوْلَئِكَ
عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:1-5].
والإیمان بالغیب یقوم على أركان ستة، هی أصول الدین، وهی المنطلق للإیمان بتفاصیل أمور الغیب الأخرى كالعرش، والكرسی، وعذاب القبر، والجن ونحوها، وقد ذكر الله تعالى هذه الأركان فی كتابه العزیز فقال: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَیْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ …} [البقرة: 285] الآیة. وقال أیضاً: {…. وَبِالآخِرَةِ هُمْ یُوقِنُونَ..} [البقرة:4] الآیة. وذكر سبحانه وتعالى القضاء والقدر فی آیات متعددة من كتابه العزیز.. وأجمل رسول الله علیه الصلاة والسلام هذه الأركان فی جوابه جبریل علیه السلام لما سأله عن الإیمان فقال: “أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، والیوم الآخر، وتؤمن بالقدر خیره وشره” أو كما قال علیه الصلاة والسلام.
وهذه الأركان تمثل وحدة عقائدیة متكاملة، لا تقبل التجزئة؛ فالكفر بواحد منها كفر بها جمیعاً؛ فإن من آمن بالله تعالى فلا بد من أن یؤمن بكل ما شرعه الله سبحانه من قضایا الاعتقاد والتصورات، ولا یكون دور المؤمن الاختیار أو الانتقاء فی باب الإیمان، بل یؤمن إیماناً مجملاً بكل ما ثبث عن الله تعالى، أو رسوله علیه الصلاة والسلام، من أمور الغیب، التی لا تقع تحت حسِّ الإنسان، وقدراته المحدودة.
والإیمان
یأتی فی اللغة بمعنى التصدیق، وفی الشرع یُطلق على ثلاثة أمور: الإقرار
باللسان، والاعتقاد بالقلب، والعمل بالأعضاء، فلا بد من هذه الأمور الثلاثة
لتحقیق كمال صحة الإیمان، وظهور آثاره على النفس والسلوك.
وهذا
الجانب من جوانب التربیة الإسلامیة یستوی فیه الذكور والإناث من المكلفین،
فلا فرق بین البنین والبنات من جهة طبیعة الاعتقاد ومستلزماته، ولا من جهة
تأثیره فی النفس والسلوك إلا أن الفتاة تدخل عالم التكلیف قبل الفتى؛ لأن
بلوغها عادة یسبق بلوغ الذكور، فإذا ظهرت على الإنسان النامی علامة من
علامات البلوغ: كالاحتلام، أو نبات الشعر الخشن على القبل، أو الحیض، أو
الحمل، بالنسبة للفتاة أو بلوغ خمس عشرة سنة، فإن الإنسان یُعد بذلك
مكلفاً، یجری علیه القلم.
وقد
أجمع الفقهاء على أن الإنسان إذا بلغ توجه إلیه خطاب التكلیف؛ بمعنى توجیه
الخطاب إلیه بالأمر والنهی وأصبح مسؤولاً عن أعماله الإرادیة أمام الله
تعالى، ثم أمام المجتمع، ومؤاخذاً بكل سلوك منحرف یؤدیه، ومعاقباً على
تبعات أعماله السیئة، ومجازى بأعماله الحسنة.